تأثيرات الحرب في أوكرانيا علي توازن القوي العالمية

31 يناير 2023:

قبل أيام من اكتمال عامها الأول
الحرب الروسية- الأوكرانية بين انهيار نظريات العلاقات الدولية وفشل النظام العالمي في الحفاظ علي السلم والامن في العالم

عبد المنعم سعيد: الردع النووي لم يعد أداة لوقف الحروب
نيفين مسعد: تعزيز دور تركيا وايران في سياق الحرب
على الدين هلال: لابد من مغامرة علمية لفهم ما سيحدث عندما تضع الحرب اوزارها
مصطفي الفقي: الحرب الأوكرانية ليست منشأه للمواقف بل كاشفة لها
محمد ادريس: 50 مليون افريقي علي حافة الجوع
موسى: النظام العالمي يحتاج الي حركة جديدة لعدم الانحياز بقيادة البرازيل
عبد الفتاح: اجندة بطرس غالي للسلام تعود للحياة من جديد


نظمت أمس مؤسسة "كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة"، ندوة حول تأثيرات الحرب في أوكرانيا على توازن القوى العالمية والإقليمية. 
واكد السيد ممدوح عباس، رئيس مجلس أمناء مؤسسة "كيميت" على ضرورة فهم التداعيات السياسية على القوى العالمية والإقليمية حتى يمكننا تفهم ما يحدث في العالم. وأشار عباس الي ان هذه الحرب التي ستكمل عامها الأول خلال عدة أسابيع، اثارت العديد من الازمات الكبرى علي المستويين الاقتصادي والسياسي بين الدول الكبرى منها العلاقات الامريكية- الصينية، علاقات الاتحاد الأوروبي المنقسم علي نفسه، ثم تأثير ذلك علي القوى الإقليمية في المنطقة العربية وتأثير ذلك علي القضية الفلسطينية.  
اما الدكتور عبد المنعم سعيد، عضو مجلس الشيوخ ورئيس مجلس إدارة صحيفة المصري اليوم، فقد أشار الي ان الحرب الأوكرانية غيرت نظريتين في العلاقات الدولية وهما ان توازن القوى عبر الردع النووي يمنع وقوع الحروب، اما النظرية الثانية فهي ان أي حرب تؤدي حتما الي تضرر جميع الأطراف ومع ذلك قامت هذه الحرب. وأضاف ان الحرب في بدايتها كانت تبدو- حسب توازن القوي – في صالح روسيا، لكن مع بداية الهجوم المضاد من قبل أوكرانيا، بدأ الحديث عن دور القوى الغربية المخابراتية في هذه الازمة وتراجع الانتصارات الروسية. لكن المؤكد ان هناك حالة من الاستنزاف المتبادل بين الأطراف المتورطة في هذه الحرب مع الاخذ في الاعتبار بروز الصين كقوة عظمى في هذا المشهد دون ان تطلق رصاصة واحدة. 
وركزت الدكتورة نيفين مسعد، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، علي ان هذه الحرب عمقت التنافس الحاد بين تركيا وايران في علاقتهما بالحرب الأوكرانية. فقد عملت تركيا - حسب الدكتورة مسعد- علي القيام بدور دبلوماسي مكثف لحل الازمة ثم قامت كذلك بدور هام في الافراج علي عن صادرات القمح خاصة للدول التي تعتمد علي قمح روسيا وأوكرانيا. تركيا قامت أيضا بالاقتراب من روسيا من اجل التوصل لاتفاق مع سوريا. اما إيران فقد كان موقفها أكثر ميلا لروسيا خاصة مع صفقة المسيرات التي قدمتها لموسكو. وهكذا، كما اشارت الدكتورة مسعد، فقد عززت الدولتان من دورهما على الساحة الدولية والإقليمية خاصة مع ادانة الغزو لكن رفض الدولتان للعقوبات الغربية واستفادتا من إمكانية تعديل توازنات القوى. 
وأشار الدكتور مصطفى الفقي، الكاتب والمفكر السياسي، الي ان الحرب الروسية- الأوكرانية ليست منشأه للمواقف لكنها كاشفة لهذه المواقف. واكد علي حقيقة عدم وجود خطوط فاصلة بين القوى الدولية والإقليمية في هذه الازمة وهو ما شبهه بأجواء ما قبل الحرب العالمية الاولي حيث كان العالم يعاني من الضبابية والترقب وهو ما جعل معظم الدول غير قادرة على اتخاذ مواقف حدية في الصراع. ويشير الدكتور الفقي الي أن هذه الحرب اثرت كثيرا على المنطقة العربية، حيث تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، وادى الي ارتباك في العلاقات الروسية- الإسرائيلية في حين ان ازمة الطاقة الناجمة عن هذه الحرب أدت الي تغيرات جذرية في النظام المالي العالمي المرتبط بالطاقة. في الوقت نفسه، استغلت إسرائيل هذه الحرب لضرب الفلسطينيين بقسوة والاستفادة من موقفها المتوافق مع واشنطن في هذا الصراع لصالح كييف. 
اما الدكتور احمد يوسف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فقد ركز حديثة حول وضع القضية الفلسطينية وتأثرها بالحرب الأوكرانية بقوله ان الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي كان متراجعا علي الاجندة الدولية قبل اندلاع هذه الحرب خاصة مع تأزم محاولات حل الخلافات بين الفصائل الفلسطينية. وعلي الرغم من زياره الرئيس الامريكي، جو بايدن والزيارة الحالية لوزير خارجيته، غير ان القضية الفلسطينية مازالت تراوح مكانها في هذا الصراع مضيفة المزيد من التهميش للقضية الفلسطينية. 

واثار السفير محمد ادريس، مساعد وزير الخارجية الأسبق ومندوب الدائم السابق لمصر بالأمم المتحدة، تأثر الدول الافريقية بهذه الحرب رغم انهم لا ناقة لهم فيها ولا جمل. وقد حاولت دول القارة-حسب قوله- ان تقف على الحياد في هذه الازمة لكنها لن تستطيع ذلك طويلا بسبب استمرار هذه الحرب.

وأشار السفير ادريس الي ان هذه الحرب فاقمت من الازمات التي تعاني منها دول افريقيا خاصة فيما يتعلق بالآثار التضخمية لأسعار الأغذية والتي تدفع بنحو 50 مليون افريقي الي فقر مدقع. 
واكد السفير ادريس علي ان الدول الافريقية دخلت بالفعل الي دوامة تباطؤ الإنتاج بسبب زيادة التكلفة الإنتاجية ودائرة ازمة الديون وفوائد الاقتراض من المؤسسات الدولية في نفس الوقت الذي تعاني فيه دولها من تراجع المنح الدولية. وأشار السفير الي ان عدم قدرة هذه الدول على الوفاء بسداد ديونها اصبح عامل ضغط شديد علي قرارها السياسي. 
من ناحيته، أثار الدكتور علي الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ووزير الرياضة والشباب السابق، عددا كبيرا من الأسئلة التي يجب ان نبحث لها عن إجابات. علي سبيل المثال اذا كانت روسيا لن تخرج من هذه الحرب منتصرة انتصارا حاسما وكذلك اوكرانيا ومن خلفها أمريكا وأوروبا، كيف سيكون وضع ميزان القوى العالمي في هذه الحالة؟ وكيف ستبدو الأوضاع في دول مثل المانيا واليابان اللتان استعادتا حقهما في التسلح؟ اما علي المستوى الإقليمي فلابد من قدر مما ساماه بالمغامرة العلمية- حسب قوله- لفهم الترتيبات المستقبلية في المنطقة و فرص مصر في هذه السياقات. 
اما السيد عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق وأمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، فقد أكد على ان النظام العالمي الحالي، خاصة عبر الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة مازال ناجحا وان الجزء الخاص بفشل هذا النظام الدولي لا يتعدى مسألة الحفاظ على السلم والامن الدوليين او بمعنى آخر هو الجزء الخاص بمجلس الامن وهو ما سيحتاج الي الكثير من التعديل والنقاش في المستقبل. اما فيما يتعلق بالأمن القومي العربي، فأشار موسى الي ان هذا المفهوم أصبح اكثر تشعبا بناء الي التكتلات الإقليمية فما يهم دول الخليج قد لا يهم دول الهلال الخصيب او دول شمال افريقيا، لذلك لابد من مناقشة هذا الامر بشكل اكثر تفصيلا في لقاءات أخرى. 
لكن السيد موسى أشار أيضا الي أهمية عودة حركة عدم الانحياز لكن في ثوب جديد وقد يكون زعيمها هذه المرة سيلفا دي لولا، رئيس البرازيل. 
اما السفير رؤوف سعد، فقد أشار الي ان هذه الحرب هي بالأساس جزء لا يتجزأ من صراع أمريكا ضد الصين او محاولة اضعاف روسيا كحليف استراتيجي لبكين. 
اما السفير ماجد عبد الفتاح، المندوب الدائم سابقا لمصر في الأمم المتحدة، فقد أشار الي ان ما يحدث حاليا أعاد الي الاذهان الحاجة الملحة الي اجندة السلام التي تقدم بها منذ عدة عقود الدكتور بطرس غالي، عندما كان يشغل منصب السكرتير العام للأمم المتحدة. وقال السفير عبد الفتاح ان المنظمة الدولية تسعى الان لاستعادة هذه الاجندة كما تهتم بالاستماع لكافة الأطراف في سياق الاعداد لقمة المستقبل في عام 2024 وذلك من اجل اصلاح النظام الدولي.