مائة عام من الدبلوماسية

القاهرة، مصر | الأربعاء 02 مارس 2022:

احتفلت مؤسسة كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة بمرور مئة عام على عودة الخارجية المصرية   وقد افتتح الإحتفالية السيد سامح شكري وزير الخارجية الذي ألقى كلمة مسجلة أكد فيها ان مسيرة الخارجية المصرية كانت جزءا من مسيرة الاستقلال الوطني وهو ما استدعي مواجهة العديد من التحديات التي صمدت امامها بالعمل الجاد والتفاني من اجل تحقيق اهداف مصر على المستوي الإقليمي والدولي.

وأشار الوزير الي ان العاملين في الوزارة نجحوا في الدفاع عن مصالح مصر العليا والتصدي للتحديات وهو ما جعلها شريك  في صنع القرار السياسي، كما شاركت في الدفاع عن مواقف مصر في المحافل الدولية. نجحت الوزارة في تكوين رصيد متراكم من الخبرات في مجالات العمل الدبلوماسي المختلفة مثل العمل الدبلوماسي التنموي والبيئي وكل ما استجد على الساحة الدولية من موضوعات وهو ما جعلها قادرة على التفاعل بسياسة متوازنة ومرنه..." ارتكزت السياسة الخارجية المصرية على تنويع محاورها وتوسيع اطر الشراكات المتبادلة واعلاء المصالح المشتركة ومساندة الشعوب المختلفة ودعم المؤسسات الوطنية في انحاء العالم."

ومن جانبه أشار السيد ممدوح عباس، رئيس مجلس أمناء المؤسسة، ان أعضاء مؤسسة بطرس غالي للسلام والمعرفة فخورين لحمل المؤسسة اسم بطرس غالي، أحد رجالات العمل الدبلوماسي في الخارجية المصرية، رغم انه جاء اليها من الوسط الأكاديمي، لكنه استطاع ان يسهم في رسم سياسات مصر الخارجية لسنوات طويلة ثم وصل الي اعلى مراتب العمل الدبلوماسي الدولي حين أصبح الأمين العام للأمم المتحدة.

واستعرض السيد عباس إنجازات الخارجية المصرية وكيف انها جاءت نتاج لكفاح الشعب المصري بكل فئاته وطبقاته الاجتماعية فصدر  إعلان 28 فبراير 1922 ، الذي أعاد لمصر استقلالها القانوني ولكن مع الابقاء على أربعة تحفظات.

"وفي 15 مارس 1922 أعلنت المملكة المصرية، وأرسلت وزارة الخارجية البريطانية في اليوم نفسه كتابا الى كافة ممثليها في الخارج، أفادت فيه بتغير الوضع القانوني لمصر، وأن حكومتها أصبحت حرة في ممارسة علاقاتها مع الدول الأخرى من خلال وزارتها. وبذلك عادت وزارة الخارجية المصرية إلى ممارسة عملها وتم إعلان 15 مارس يوما للدبلوماسية المصرية."

وخلال المائة عام من عمر وزارة الخارجية المصرية تطورت آليات العمل بها والقوانين التي تحكم عمل الدبلوماسيين بها وأصبحت الوزارة تضم إليها الشباب من تخصصات مختلفة على أساس الكفاءة، ثم التدريب في المعهد الدبلوماسي الذي تأسس عام 1966، كما افسحت المجال لانضمام المرأة إلى العمل الدبلوماسي وتدرجت فيه بل ومثلت مصر في كثير من بلدان العالم كسفيرات أثبتن جدارتهن.

واكد السيد عمرو موسى، وزير الخارجية وامين عام جامعة الدول العربية الأسبق، ان بيان 28 فبراير جاء ليفتح بابا للدبلوماسية المصرية لتقوم بدور فاعل داخليا وإقليميا. لكنه أشار الي ان التاريخ يجب ان يعود بنا الي ما قبل ذلك وان هناك فترة "محمد علي" التي قام فيها "نظار" الدولة بإدارة علاقات مصر مع الدولة العثمانية وعدد من الدول الأوروبية. وأشار موسى الي ان الدبلوماسية المصرية كان لها أولويات مصرية وإقليمية منذ نشأتها. فقد أدارت المفاوضات مع بريطانيا من اجل الاستقلال، كما دافعت عن الهوية العربية في الاربعينات عندما وجدت ميلا من الملك فاروق الي إعادة فكرة الخلافة. وكانت الخارجية المصرية، حسب قول موسى، على اتصال بمراكز التنوير في أوروبا خاصة فرنسا وهوما أكد البعد المتوسطي في سياسات الخارجية المصرية. كما ان الدائرة الافريقية كانت علي راس أولويات الدبلوماسية المصرية حيث شاركت مصر بقوة في انشاء منظمة الوحدة الافريقية. وأشار موسى الي ان مصر قامت بدور نشط في الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وحقوق الانسان ويعد قضاتها من أوائل من عملوا في المنظمات القضائية الدولية.  

كان للدبلوماسية المصرية العديد من المواقف المستقلة كان من بينها – حسب قول موسى- الاعتراف بالاتحاد السوفيتي وموقفها ضد الحرب الكورية وكذلك دورها التاريخي في انشاء حركة عدم الانحياز  والدفاع عن القضية الفلسطينية.

وفي نفس السياق التاريخي، استعرض الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث في جامعة القاهرة، دور الخارجية المصرية منذ عهد محمد علي خاصة دور "نوبار باشا" ورحلاته التاريخية للترويج لسياسة مصر الخارجية في أوروبا..." كانت وزارة الخارجية تسمى في هذا الوقت ديوان الأمور الافرنجية والتجارة ثم تحولت فيما بعد الي نظارة الخارجية. ولأهمية هذه "النظارة" كان دائما رئيس النظار او رئيس الوزراء يقوم أيضا بعمل وزير الخارجية الي ان أعلنت بريطانيا الحماية على مصر في 1914 وقيام المندوب السامي البريطاني بإدارة الشئون الخارجية لمصر. " . وأشار الدكتور عفيفي الى ان قيام ثورة 1919 ومطالبة الحركة الوطنية المصرية بالاستقلال أدى الي صدور بيان 28 فبراير. وقد وضع السيد عبد الخالق ثروت شرطين لتولي رئاسة الحكومة حين اشترط الغاء الحماية وإعلان استقلال مصر وهو ما تم بالفعل.. "وأصر عبد الخالق ثروت علي انشاء وزارة الخارجية كرمز لسيادة مصر في إدارة شئونها الخارجية وعلاقاتها مع دول العالم."

وفي الفترة من 1952 وحتى السبعينات من القرن الماضي، كان السيد عبد الخالق حسونة كما أشار السفير حسين حسونة احد نماذج الدبلوماسيين المصريين . حيث تولى وزارة الخارجية المصرية ثم الأمانة العامة لجامعة الدول مشيرا الي ان البعثات المصرية بدأت في واشنطن وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، ثم تم التوسع في البعثات الدبلوماسية ودخول مصر الي الأمم المتحدة عام 1937..." كان عبد الخالق حسونة وكيلا للخارجية عام 1948 عندما تعرض الشعب الفلسطيني لانتهاك سيادته وصدر قرار التقسيم عن الأمم المتحدة علي أساس حل الدولتين. وكان حسونة عنصرا هاما في المفاوضات التي أدت الي اتفاق الهدنة وممثلا عن مصر في اعداد مشروع الدفاع العربي المشترك." كان حسونة الذي أصبح فيما بعد امين عام جامعه الدول العربية بعد ان تولي الخارجية المصرية يؤمن ان الدبلوماسية المصرية هي الأكثر قدرة في المنطقة والعالم الثالث لأنها استطاعت ان تتعامل مع العديد من القضايا الهامة والمحورية بنجاح.

واكد هذه المقولة السفير ماجد عبد الفتاح، رئيس بعثة جامعة الدول العربية لدى الأمم المتحدة في نيويورك، حين تحدث عن الترابط بين أعضائها ونقل خبراتهم عبر الأجيال وهو ما أدى لتجنب تبعات الصدمات المفاجئة وقدرتها كجهاز فني متخصص في الحفاظ على التميز في اطار التعاون من اجل تحقيق الأهداف المصرية. وأشار الي ان الدبلوماسية المصرية تعاملت مع العديد من القضايا العربية المطروحة على مجلس الامن وهو ما يستدعى الان وبعد الكثير من المتغيرات الدولية والإقليمية الي العمل علي خطة للمصالحة للشمال الافريقي ودعم التقارب المصري- الافريقي من اجل المزيد من الاندماج في المنظمات والتحالفات الافريقية ووضع خطة عمل للحفاظ علي الحقوق الفلسطينية في سياق الاتفاقات الثنائية بين عدد من الدول العربية وإسرائيل وكذلك مراعاة التوازن في العلاقات الدولية والقوى الكبرى داخل الأمم المتحدة.

اما عن دور المرأة المصرية في العمل الدبلوماسي، فقد اشارت السفيرة وفاء بسيم، عضو لجنة حقوق الانسان لدى الأمم المتحدة في جنيف، الي ان رجال الدبلوماسية المصرية قد افسحوا المجال للمرأة للعمل في هذا المجال بل وشجعوهن وعلموهن الكثير.." إننا ندين لهم بمقاومتهم للأفكار المسبقة حول عمل المرأة في السلك الدبلوماسي. وعلى مدى الستين عاما الماضية سنجد فارقا كبيرا في عدد الدبلوماسيات وقدراتهم والمجالات التي دخلوا اليها وكذلك الملفات التي أصبحن علامات فارقة فيها. وقالت السفيرة، ان الدبلوماسية المصرية قدمت السيدة مرفت التلاوي كأحد اهم رموز ملف التنمية وكذلك السفيرة بهيجة عرفة التي تولت ملف حقوق المرأة وهدي المراسي التي كانت اول سفيرة لمصر تعمل في الخارج والسفيرة منى عمر التي مازالت تعمل على الملف الافريقي بقدر هائل من الكفاءة والسفيرة نائلة جبر التي تولت ملف الاتجار في البشر ومناهضة التفرقة والتمييز ضد المرأة وكلها ملفات ساخنة. وأشارت السفيرة أيضا الي العديد من الأسماء التي عملت في الخارجية المصرية وأصبحن وزيرات مثل السيدة حكمت أبو زيد والسيدة عائشة راتب.

وهنا اشارت السفيرة ليلى بهاء الدين، المديرة التنفيذية لمؤسسة "كيميت"، الي ان عدد السيدات في الخارجية المصرية أصبح يقترب من عدد الرجال العاملين بها وان الوزارة اصبحت تعتمد عليهم في المهمات الصعبة وترسلهم مثلهم مثل زملائهم الى  مناطق التوترات الصعبة والحروب وهو ما لم يكن معمولا به من قبل.

وفي سياق متصل، أكد الدكتور عبد المنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة صحيفة الاهرام سابقا ورئيس مجلس ادارة المصري اليوم، والمفكر الأكاديمي، الي ان وزارة الخارجية المصرية هي انعكاس للمستوى الحضاري الذي بلغته مصر منذ مائة عام. .."ان عملية التحديث في مصر وتحديد الهوية والتعبئة المؤسسية منذ عهد محمد علي هو ما ساعد على  وجود الخارجية المصرية على هذا الشكل والتي سبقها انشاء الجامعة المصرية وقناة السويس." وعبر مائة عام استطاعت الخارجية المصرية- حسب قول الدكتور عبد المنعم سعيد- ان تطور وتحدد ماهية وضع مصر على الصعيدين الجيو- سياسي والجيو- اقتصادي. وكان لاتصال الخارجية المصرية وكوادرها بالعالم الخارجي الفضل في فهم المتغيرات الدولية بالإضافة الي عملية التحديث التي قامت بها كمؤسسة مهنية وهو ما جعلها قادرة علي المساهمة في تعريف وتحديد الهوية المصرية والامن القومي المصري والإقليمي..."استطاعت الدبلوماسية المصرية ان تجعل مصر تتكيف مع القضايا الدولية الهامة خلال مائة عام وكما كانت قناة السويس إضافة للوضع الجيو- سياسي وجعلت النظرة الي الإقليم العربي والافريقي والمتوسطي مختلفة، فان الخارجية المصرية كمؤسسة استطاعت ان تضعنا علي مسافة واحدة من جميع الأطراف."

خلال المائة عام الماضية قاد العمل في وزارة الخارجية المصرية عددا كبيرا من رجال الدولة المشهود لهم بالكفاءة وحسن التقدير وهو ما تناوله الدكتور مصطفي الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، الذي أشار الي وجود مدرسة خاصة وعريقة في الدبلوماسية. وبعد ثورة 1952 ومع دخول عدد من الضباط الي المؤسسة كانوا إضافة جادة وحقيقية وكان من بينهم السيد حافظ إسماعيل الذي وصفه الفقي بانه أحد آباء الدبلوماسية المصرية والسيد محمد صلاح الدين الذي أدار مفاوضات جلاء البريطانيين عن مصر. كما أكد الدكتور الفقي ان الدكتور محمود فوزي كان رائدا من رواد الدبلوماسية المصرية وكذلك إسماعيل فهمي الذي استطاع ان يعطي قدرا من الاستقلالية للعمل الدبلوماسي المصري وعمرو موسى والذي كان له الفضل في عودة مركز الثقل الي وزارة الخارجية وتغيير أسلوب العمل بها عبر تغيير هيكل الوزارة وافساح المجال للشباب في العمل الدبلوماسي.

وفي السياق ذاته، اكد السيد لياو ليكيانج، سفير الصين لدى مصر، علي العلاقات القوية بين البلدين واهمية زيادة التعاون من اجل المزيد من الاستقرار في المنطقتين العربية والافريقية. وقال السفير الصيني ان مصر والصين دولتان ذات حضارتين قديمتين وهو ما جعل العلاقات بينهما قوية ودعم كلاهما الاخر في مجالات عديدة. وأشار السفير الي مقال الوزير سامح شكري الذي أوضح فيه دور الخارجية المصرية في دعم علاقات مصر بالعالم وسعيها الدائم من اجل المزيد من الاستقرار ودعم تطلعات الشعوب من اجل المزيد من العمل والاستثمار. كما أكد السفير على موقف مصر الداعم لبكين في العديد من القضايا الدولية وكذلك موقف الصين مع مصر خاصة خلال ازمة انتشار فيروس كورونا وتقديم الصين لكميات كبيرة من اللقاحات. كما أكد السفير ان استقرار منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط تساعد على دعم الاستثمار في المنطقتين وكذلك في افريقيا التي تعتبر مصر بابا أساسيا لها.