ندوة رقمية | السياسة الأمريكية تجاه شرق افريقيا
عقدت مؤسسة "كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة" ندوتها الرقمية حول "السياسة الأمريكية تجاه شرق افريقيا"، يوم الثلاثاء الموافق 9 مارس 2021، لمناقشة الوضع الراهن في شرق أفريقيا والقرن الافريقي، الذي شهد على مدى العقود الماضية سلسلة من الصراعات والمشكلات ذات الأبعاد المتعددة، بهدف محاولة استشراف أفق سياسة الإدارة الامريكية الجديدة والتعرف على توجهاتها المحتملة في شرق أفريقيا ومدى قدرتها على تغيير بعض عناصر سياستها.
وفي كلمة ترحيبية للسفيرة ليلى أحمد بهاء الدين، المديرة التنفيذية لمؤسسة "كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة"، أشارت إلى أن هذه الندوة تأتي في إطار سلسلة من الأنشطة التي تعقدها المؤسسة إدراكًا واقتناعًا منها برؤية الدكتور بطرس بطرس غالي بضرورة الاهتمام بالقارة الأفريقية.
وأثارت السفيرة العديد من التساؤلات التي تسعى الندوة للإجابة عليها، منها: ما الذي يمكن توقعه من تغير في السياسة الأمريكية تجاه شرق أفريقيا في ظل الإدارة الجديدة؟ وما تأثير ذلك التغيير على المصالح الاستراتيجية المصرية، وكذلك فرص التنمية في المنطقة؟
حضر الندوة نخبة من الخبراء المصريين والدوليين ولفيف من رجال السياسة والفكر المختصين.
تحدث فيها كل من:
1. السيد / ممدوح عباس، رئيس مجلس أمناء مؤسسة كيميت بطرس غالي.
2. السيد / محمد فايق – رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان ووزير الارشاد القومي سابقاً.
3. السيد / عمرو موسى – الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية سابقاً.
4. الدكتورة / أماني أبو زيد – مفوضة الاتحاد الافريقي للبنية التحتية والطاقة والمعلوماتية والسياحة.
في بداية الندوة دعا السيد ممدوح عباس، رئيس مجلس أمناء مؤسسة "كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة"، الى ضرورة العمل ليس فقط من أجل وضع رؤية استراتيجية لمصر في منطقة القرن الأفريقي لاستشراف المرحلة القادمة، بل والعمل الجاد من أجل تقديم مقترحات عملية للإدارة الامريكية الجديدة. فالتحليل- حسب قوله- امر هام نحتاج للتعرف عليه، لكننا أيضا بحاجه الي مقترحات عملية لصانعي القرار... "وانا ادعو الجميع الي اعتبار أنفسهم مستشارين للرئيس الأمريكي بايدن وتقديم الراي والمشورة له في سياساته القادمة حتى يمكن لمقرر هذه اللجنة ان يخرج برؤية واضحة، إضافة الي سبل عملية لتطبيقها، آخذين في الاعتبار ان تتسق هذه المقترحات مع مقتضيات المصالح الامريكية ودول أخرى او ما يمكن ان نسميه "Win- win solution..".
جاءت هذه الدعوة خلال الكلمة الافتتاحية للندوة التي ألقاها السيد ممدوح عباس، كما أشار في كلمته الى أربعة محاور فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية، تستند إلى أدوار وزارتي الخارجية والدفاع والاستخبارات المركزية CIA، ومستشار الأمن القومي الأمريكي لوضع هذه السياسات، مؤكداً على أن السياسة الأمريكية الخارجية مرتبطة بقواعد واضحة مما يجعل عملية اتخاذ القرار فيها أقرب إلى توازنات قوى داخلية في ظل رؤية الرئيس الأمريكي ومستشاريه.
وقال السيد عباس أن هذا لا يعنى، حسب رأيه، الثبات على نمط واحد ولكنه مرتبط باختلاف وسائل تحقيق أهداف واشنطن في السياسة الخارجية. كما أكد على حقيقة أن الإدارة الجديدة في واشنطن تتميز بالتركيز على إدارة السياسة الخارجية من خلال مفهوم تعدد الأطراف الدولية. وأضاف أن الصراع اليوم هو صراع "أميركي – صيني" أصبح يخلق تطورات وإستقطابات واضحة على المستوى الدولي في الأمن القومي الأمريكي بشكل خاص والغربي بصفة عامة ولم يعد يتصدره التهديد العسكري بل تقنية الجيل الخامس من الأنترنت.
في خضم هذه التطورات يبرز القرن الأفريقي كمنطقة تعاني منذ الاستقلال من مشاكل عديدة، وفي هذا السياق أشار السيد عباس الى أن أخطر ما يواجه هذه المنطقة ما يسمى ب "الدول الفاشلة"، بالإضافة إلى تفجر الأزمة بين أثيوبيا من ناحية ومصر والسودان من ناحية أخرى. وأكد أن تصدير الولايات المتحدة لمفاهيم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان أصبح مدعاة لأزمة مصداقية حقيقية.
من ناحيته أكد الوزير محمد فايق في مداخلته على الأهمية الاستراتيجية لشرق أفريقيا بالنسبة لمصر. واوضح أن منطقة شرق أفريقيا كانت لها أهمية خاصة بالنسبة لمصر فيما يتعلق بتأمين مياه النيل، حيث تعتمد مصر كليًا على مياه النهر ونصيب عادل من هذه المياه. في الوقت نفسه، فإن السودان تشكل العمق الاستراتيجي بالنسبة للقاهره.
كما الوزير أكد على وجود نوع من وحدة المصالح خاصة فيما يتعلق بتأمين الملاحة في البحر الأحمر. وقد استطاعت مصر، حسب قوله، التحكم في باب المندب بالبحر الأحمر أثناء حرب أكتوبر عام 1973، ثم كثرت الأحاديث عن البحر الأحمر كبحيرة عربية وأصبح حجر الزاوية في التنافس الإقليمي والدولي في شرق أفريقيا... "فالبحر الأحمر الذي تطل عليه سبع دول عربية يمر به 20% من تجارة العالم و30% من الغاز المسيل، وكم هائل من البضائع للهند واليابان والصين التي تصدر عبر هذا البحر كل يوم ما قيمته مليار دولار، وبالتالي أصبح البحر الأحمر جزءًا من استراتيجية الصين "حزام واحد طريق واحد".
وأشار فايق الى وجود عدد كبير من القواعد العسكرية الأجنبية خاصة في جيبوتي، وكذلك في أرض الصومال واريتريا وكينيا والصومال، هذا التواجد - حسب رأيه- أدى الى العديد من المشاكل خاصة في إطار عدم وجود دولة قوية. وأضاف أن آخر تقرير للسياسة الأمريكية الخارجية أكد ضرورة تعزيز الشراكة بين مصر وأمريكا التي تفرض محاربة الإرهاب وضمان الأمن والتجارة.
من ناحيته، أكد السيد عمرو موسى، على ضرورة الفصل بين اهتمام مصر بأزمة المياه والسياسة الأمريكية في القرن الأفريقي. وأوضح أن ما قيل عن أن أمريكا سوف تنسحب الي آسيا لا ينطبق على القرن الأفريقي لأهميته في الصراع الدائر بين أميركا والصين. فالصين تتداخل في معظم دول أفريقيا في الوقت الذي تدرك فيه السياسة الأمريكية أهمية القرن الأفريقي من حيث مياهه الثرية وأراضيه الواسعة وتنوع سكان المنطقة، وهو ما يجعلنا نتوقع خطط أمريكية مهمة.
وأشار موسى إلى أن الأولوية الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة القرن الأفريقي مواجهة الصين في مجالات استراتيجية وتنموية الأمر الذي سيؤثر علينا جميعًا في الشرق الاوسط، مشيرًا الى أن وضع القواعد العسكرية المنتشرة بشكل لم يسبق له مثيل سيؤثر بالتأكيد على معطيات الأمن القومي المصري خاصة مع التواجد المكثف لكل من تركيا وإيران في القرن الأفريقي.
وأضاف موسى أنه لابد من وجود حوار بين مصر ودول القرن في إطار مجلس السلم الأفريقي، حيث لا يمكن أن يتم هذا الحوار بشكل ثنائي فقط، ولابد من التعامل معه على أساس تفاهمات إقليمية عربية – أفريقية – مصرية.
وحذر موسى من أن التواجد الأمريكي في شرق أفريقيا قد يكون بنفس المنهج الذي تواجدت به بالشرق الأوسط الذي بني على أساس التنافس مع الاتحاد السوفيتي السابق ... وقال: "أخشى أن يبدأ القرن الأفريقي بذلك، وأرجو أن تنأى الدول الأفريقية بنفسها عن هذا الصراع بين أمريكا والصين، وأرجو أن يكون هذا التنافس الاستراتيجي في اتجاه الاستقرار وليس الصراع بالمنطقة."
أما الدكتورة أماني أبو زيد، فقد أكدت عودة الولايات المتحدة إلى أفريقيا مرة أخرى، وقالت إن الرئيس جو بايدن وجه كلمه الى القمة الأفريقية التي عقدت مؤخرًا، أكد فيها اهتمام إدارته بالمؤسسات الديمقراطية وبحقوق الأنسان وقضايا المرأة وإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة والإثنيات المختلفة في القارة.
وأشارت الى وجود نبرة جديدة وبداية جديدة خاصة وأن الرئيس الأمريكي يفكر في أن يكون له مبعوث خاص في القرن الأفريقي. وقالت أبو زيد أن واشنطن تسعى ثانية للعمل مع الاتحاد الأفريقي حيث اعتمدت العلاقات بين الجانبين على دعم مؤسسات حفظ السلام والتعاون الاقتصادي وتمكين المرأة والأمن الغذائي والأمن السيبراني والاقتصاد الرقمي. وأضافت أبو زيد أن الولايات المتحدة تؤكد على أهمية الأمن السيبراني خاصة في علاقة الاتحاد الأفريقي بالصين وعلى قضايا "البيانات الضخمة" وهذه النقطة محل الصراع الدائر الآن بين الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة... "فالكل يسعى للاستحواذ على هذه البيانات التي أصبحت تسمى بالثروة النفطية الجديدة".
وأشارت أبو زيد الى أن معدلات التنمية تتباين في منطقة القرن الأفريقي، فهذا الإقليم كانت به معدلات تنمية رائعة ولكن ما حدث على الأرض يستوجب إعادة النظر ودراسة الأوضاع الاقتصادية في الفترة المقبلة..."فالاحتياجات داخل الإقليم كبيرة لكن الصراعات الداخلية والصراعات بين الدول أصبحت تعوق هذه العملية التنموية خاصة مع الحاجة الشديدة لإعادة توزيع الثروة بشكل اكثر عدلا."
وأشارت أبو زيد الى أن منطقة القرن من أهم مناطق العالم للكابلات البحرية التي تربط الشرق والغرب والشمال والجنوب كما أن بها مصادر هائلة للطاقة الكامنة لأنها منطقة بركانية. وأكدت أن أحد أهم الإشكالات في منطقة القرن هو تعدد المنظمات التي تنتمي لها دول المنطقة مثل إيجاد والاتحاد الأفريقي والكوميسا، مما يخلق نوعًا من التضارب في العمليات التنموية.
وأشارت الى أن المنطقة التي عانت طويلًا من الجفاف ستواجه أزمة حقيقية مع أسراب الجراد حيث تقوم مفوضية الزراعة في الاتحاد الأفريقي بجهد كبير في هذا الشأن.
وأكدت الدكتورة أبو زيد على أهمية أن تكون الاستفادة متبادلة بين الطرفين المصري والأفريقي، مؤكدة على أن العديد من الدول الأفريقية لديها القوانين والتشريعات فيما يتعلق بالأمن السيبراني والتي تم تطويرها، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في تشريعاتنا.
وبعد أن انتهى المتحدثون من مداخلاتهم فتحت مديرة الندوة باب التعقيبات والأسئلة للحضور، وقد عقبت الدكتورة أماني الطويل، خبيرة الشئون الافريقية بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، قائلة إن السودان ربما تكون "حاملًا إقليميًا" للدور الأمريكي في عملية التنافس مع الصين. وأضافت أن مصر كان من المفترض أن تقوم بهذا الدور في القرن الأفريقي. لكن هذا الدور تراجع بسبب انسحاب الرئيس أنور السادات من القارة. وأشارت الى أن الرئيس جمال عبد الناصر استفاد من الحرب الباردة التي دارت بين واشنطن وموسكو في القرن الماضي عبر القوى الناعمة لمصر.
وأشارت الطويل إلى أننا الآن نعتمد على القوى الصلبة في هذا الملف، والتي ربما تكون صحيحة، لكن يجب ألا نهمل قوى مصر الناعمة ودور منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص الذي لم يتبلور حتى هذه اللحظة.
وأشار السيد هشام عز العرب، رئيس مجلس الإدارة السابق للبنك التجاري الدولي، في تعليقه إلى أهمية وجود غطاء حكومي لدور القطاع الخاص في أفريقيا، وتساءل... لماذا لم تقم مصر بمساعدة أثيوبيا فيما يتعلق بأزمة الطاقة؟
كما نبه السفير رؤوف سعد إلى أن الهدف من هذا النقاش ليس فقط معرفة السياسة الأمريكية في منطقة القرن الأفريقي لكن كيف ستؤثر علينا هذه السياسة، فأفريقيا حسب قوله من أغنى قارات العالم بسبب مواردها، مما يستدعي تحرك مباشر وشامل سواء مع دول شرق أفريقيا أو القارة بشكل عام.
وأشار سعد الي أن مصر تملك قدرات متميزة فيما يتعلق بالأمن السيبراني، ويمكن من خلال التعاون المشترك تقديم هذه الخبرات اعتمادًا على القطاع الخاص والمجتمع المدني.
من ناحيته استعرض السفير ماجد عبد الفتاح خبراته كوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الأفريقية فيما يتعلق بالتنافس بين الصين وتركيا والأمارات وإيران وأمريكا، ونبه إلى أن مصر ليست عضوًا في مجموعة شرق افريقيا أو "إيجاد"، مؤكدًا على أهمية أن نوسع محاورنا بالمفهوم الاقتصادي والمالي ومفهوم العلاقات الثنائية، كما دعا إلى إعادة تقييم العلاقة بين مصر وأفريقيا بمنظور يقوم على المصلحة المصرية عبر محاور مختلفة.
وفي نهاية الحوار وجه السيد عباس في كلمته الختامية الشكر للمشاركين، وأكد على أن مصر تدفع الآن ضريبة عالية بسبب سياسات الرئيسين السادات وحسني مبارك لانسحابهما من أفريقيا.
هذا وقد اتفق المشاركون على أهمية استمرار عقد مثل هذه اللقاءات من اجل دعم العلاقات المصرية- الأفريقية وتطوير انسب سبل التعاون بين الجانبين.
شارك في الندوة كل من:
1. السفيرة / منى عمر عطية – مساعد وزير الخارجية للشئون الافريقية سابقاً.
2. السفير / احمد عبد اللطيف – مدير عام مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ السلام.
3. السيدة الدكتورة / اماني الطويل – خبيرة الشئون الافريقية بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
4. السيد / حسن غزالي – نائب الأمين العام لاتحاد الشباب الافريقي
5. السيدة / هدايت عبد النبي – مجلة حقوق الناس
6. السيد / هاني عسل – مدير تحرير الاهرام ورئيس القسم الدبلوماسي.
المشاركين بالندوة من مجلس أمناء مؤسسة كيميت بطرس غالي:
1. السيدة ليا بطرس غالي – الرئيس الشرفي للمؤسسة
2. السيد الدكتور / عليّ الدين هلال – نائب رئيس المؤسسة.
3. السيد الوزير / منير فخري عبد النور – السكرتير العام.
4. السيد السفير / حمدي سند لوزا – عضو مجلس أمناء المؤسسة.
5. السيد السفير / رؤوف سعد – عضو مجلس أمناء المؤسسة.
6. السيد / هشام عز العرب – عضو مجلس أمناء المؤسسة.
7. السيد / طارق الخولي – عضو مجلس أمناء المؤسسة.
المشاركين بالندوة من الهيئة الاستشارية لمؤسسة كيميت بطرس غالي:
1- السيد الوزير / محسن النعماني – وزير التنمية المحلية الأسبق
2- السيد السفير / هشام الزميتي – سكرتير عام المجلس المصري للشئون الخارجية
3- السيد السفير / ماجد عبد الفتاح – مساعد امين عام الأمم المتحدة
4- السفير الدكتور / وليد محمود عبد الناصر – مدير المكتب الإقليمي للدول العربية بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية
5- السيد السفير / حسين حسونة – عضو لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي
6- السيد الدكتور / حسام بدراوي – رئيس مؤسسة بدراوي للتعليم والتنمية
7- السيدة الدكتورة / نهى بكر – أستاذ علوم سياسية بالجامعة الامريكية
8- السيد الدكتور / منير نعمة الله – مؤسس شركة نوعية البيئة الدولية