التغير المناخي: التحديات والفرص
أكد المشاركون في ندوة رقميه حول "التغير المناخي: التحديات والفرص"، علي ضرورة تطوير مشاريع طاقة نظيفة خاصة في مصر ومنطقة حوض البحر المتوسط التي ستكون من بين المناطق الأكثر تضررا في العالم وكذلك الاستفادة بالنظم المالية الدولية المتاحة من اجل "التكيف و"التخفيف" من آثارها. واكد الخبراء ان تكلفة هذه المواجهة بين الدول النامية والصناعية الكبرى قد تصل لنحو 23 ترليون دولار، وهو ما سيقف كحجر عثرة في طريق التنمية المستدامة للدول الفقيرة التي ستتحمل الجزء الأكبر من الاثار السلبية لتغيرات المناخ بكل اشكاله.
في هذا السياق نظمت مؤسسة "كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة" ندوة رقمية حول التغير المناخي والتحديات والفرص المتاحة بالنسبة للدول النامية. واكد السيد ممدوح عباس، رئيس المؤسسة، علي ان المخاطر لم تعد نظرية بل أصبحت واقعا أمامنا. فقد تابع الجميع التقلبات المناخية الاخيرة من جفاف وحرائق غابات و براكين و سيول ودرجات حرارة مرتفعة على غير المعتاد وسوف تزيد هذه الظواهر اذا لم نأخذ هذه القضية- حسب قوله - على محمل الجد و ننجح في الحد من الإحتباس الحراري لمنع ارتفاع درجة حرارة الارض الى اكثر من 1.5 درجة مئوية
وقال عباس انه بالرغم من تحذيرات العلماء وبعض السياسيين العقلاء و الاجتماعات والمؤتمرات والتعهدات في هذا الشأن، غير ان الأوضاع تزداد صعوبة ومازلنا بعيدين عن الأرقام والمعدلات المنشودة على نحو شديد الخطورة، مؤكدا علي أن المسئولية رغم تفاوتها وكذلك عواقبها على الدول، الا ان الدول الفقيرة هي التي ستعاني بصفة خاصة مما سيزيد من معدلات الفقر، و الهجرة الجماعية، والبطالة و الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي.
وقد شارك في هذه الندوة عدد كبير من الخبراء كان من بينهم السفير وائل ابو المجد، مسئول ملف البيئة في وزارة الخارجية سابقا وسفير مصر حاليا في البرازيل الذي اكد ان تغير المناخ اصبح حقيقة ثابتة، رغم وجود جدل من بعض الجهات الراغبة في بقاء الوضع على ما هو عليه، فالحقائق العلمية الثابتة – حسب قوله - تشير بل وتؤكد أن النشاط الإنسانى منذ الثورة الصناعية التي بدأت في أوروبا والولايات المتحدة أواخر القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر تسبب في تأثيرات سلبية مباشرة أهمها وأبرزها التزايد المطرد في إنبعاثات الغازات المسببة للإحتباس الحرارى ومن ثم في حدوث وتزايد وتيرة ما يعرف بتغير المناخ.
اما الحقيقة الثانية التي اكدها ابو المجد فتتمثل في أن قضي تغير المناخ ليست، ولا يجب النظر إليها، بإعتبارها قضية بيئية تشغل الدول المتقدمة التي بلغت مراحل من الرفاهية، بل هي قضية إقتصادية وتنموية تماما ولها إنعكاسات مباشرة على كل قطاع من قطاعات الاقتصاد في أي دولة. ويشير ابو المجد الي ان الدول النامية عموما لا تملك الإمكانيات أو التكنولوجيا أو البنية الاساسية أو القدرة المالية للتعامل مع أو التصدي أو حتى التقليل من الآثار السلبية لتغير المناخ، مشيرا الي ان مرور إعصار من الأعاصير السنوية المتكررة في منطقة جنوب شرق الولايات المتحدة قد يتسبب في وفاة شخص أو إثنين أو في بعض الأضرار فى الولايات المتحدة في حين يبيد مدنا كاملة في منطقة الكاريبى.
لكن السفير اشار ايضا الى العديد من الفرص امام الدول النامية خاصة الإستفادة من التمويل الدولى المتاح لترشيد إستهلاك الطاقة. وقد نجحت هذه البرامج والتكنولوجيات في إحداث خفض كبير في فاتورة الطاقة للمنشآت التي إتبعتها. وكذلك النظر في فرص الإستثمار الجديدة التي ستكون متاحة في مجالات السيارات الكهربائية، والنقل الجماعى، وإنتاج الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح. بالاضافة الي الإستفادة من تغير سلوكيات الشعوب التدريجى نحو الإستدامة وبحث فرص الإستثمار في مجالات كالزراعة المستدامة والبناء المستدام وغير ذلك الكثير.
لكن الاهم- حسب قوله- هو ضرورة توفير الدول المتقدمة لوسائل تنفيذ هذا الإسهام من جانبنا ويتمثل بالأساس في 3 مكونات: التمويل وبناء القدرات وتوفير التكولوجيا.
ويبدو ان امر تعويض الدول النامية التي لحقت بها بالفعل أضرارا جسيمة لا يمكن علاجها نتيجة تغير المناخ يواجه صعوبات علما بأن غالبية الدول والمناطق التي لحقت بها بالفعل هذه الأضرار والخسائر هي دول نامية أو أقل نموا أو دول جزرية صغيرة ومن ثم لا تملك الإمكانيات العلمية أو المالية للتعامل مع آثار هذه الأضرار والخسائر والتي تسببت فيها الدول المتقدمة بإنبعاثاتها الضخمة على مدى السنين والتي أدت بدورها للآثار السلبية الحاليه لتغير المناخ . فقد اوضحت الدكتورة ليلي اسكندر، وزيرة البيئة سابقا، ان الإشكاليات المحيطة بهذا الموضوع خلال المفاوضات الدولية تمثل أبرزه في الرفض المستمر من جانب الدول المتقدمة للإقرار بوجود مسئولية قانونية عليهم جراء هذه الاضرار والخسائر لإدراكهم أن الإقرار بهذه المسئولية يتبعه منطقيا وجود مسئولية بالتعويض، الأمر الذي يفتح أبوابا لالتزامات مالية ضخمة.
لكن الدكتوره اسكندر اشارت الي ان المطالبات المتكررة من الدول النامية ولاسيما الدول الجزرية الصغيرة التي تواجه أخطار الزوال جراء ارتفاع منسوب البحر ادى الي الاتفاق على آلية خلال قمة وارسو عرفت بـ " آلية وارسو الدولية للأضرار والخسائر"، إلا أنه منذ إنشاء هذه الآلية لم يتم تحقيق تقدم فعلى على أبعاد المساعدات التي يمكن تقديمها ولا قنوات توجيه هذه المساعدات للدول المتضررة.
كما اشارت اسكندر إلى البطء ومحدودية التقدم في التعامل مع هذه القضية. وفي اخر دراسة حول حجم الخسائر وما يتطلبه من تمويل، أكد الخبراء ان الصندوق الاخضر المنوط به مساعدة الدول النامية في حاجة الي ما لا يقل عن 23 ترليون دولار، وهو ما دفع الدول الصناعية الكبرى للابتعاد عن هذه الاتفاقيات. وحسب قول اسكندر، فعلي الرغم من وجود ميزانيات للتكيف مع هذه الازمة والتخفيف من آثارها، غير ان التعامل مع الصندوق الاخضر باعتباره أداة تمويل مازال شديد التعقيد بسبب عدم قدرة الدول الفقيرة على قياس الاضرار البيئية خاصة في مجال التنمية وتأثير التغيرات ايضا سياسيا واجتماعيا. فالتغيرات- حسب قولها- اصبحت واقعا يحتاج الي تغير في البنى التحتية من اجل العمل للحد من الخسائر والمخاطر.
وفي السياق ذاته، أكد السفير ناصر كامل، الأمين العام للاتحاد من اجل المتوسط، انه وفقا لاحدث الدراسات التي قام بها أكثر من مائة عالم، فان منطقة حوض البحر المتوسط سترتفع بها درجات الحرارة بمعدل يتخطى 20% عن المتوسط العالمي وهي أكثر الأماكن تضررا بعد المنطقة القطبية. لكن الفرق بين المنطقتين- حسب قوله- ان الاولي هي الأكثر اكتظاظا بالسكان في حين ان المنطقة القطبية غير مأهولة وهو ما يثير الكثير من المخاوف، خاصة ان الدراسة تشير الي تأثر 9 مدن في حوض البحر المتوسط ومنها مدن مصرية بسبب التغيرات المناخية.
لكن السفير اكد ايضا علي ان دول جنوب المتوسط لديها الفرصة التي تكفل لها ولمصر خاصة ان تقود المنطقة باتجاه الاقتصاد الاخضر والازرق بسبب ثرواتنا من الطاقة الشمسية وقدرتنا علي انتاج الهيدروجين الاخضر والبطاريات العملاقة التي اصبحت مجالا جديدا لتخزين الطاقة الكهربائية لاستخدامها في تسيير السيارات.
لذا، إستعرض الدكتور محمد بيومي، رئيس فريق البيئة ببرنامج الامم المتحدة الانمائي في مصر، مجموعة من الأنشطة والمشاريع والمبادرات التي يتولاها ويشارك فيها ويدعمها برنامج الأمم المتحدة.واوضح بيومي أن تغير المناخ يخلق فرصا إقتصادية وهو ما جعل كافة مشروعات البرنامج في مصر ذات قيمه ليس فقط إستنادا لإسهامها في جهود التعامل مع تغير المناخ، بل لجدواها ومردودها الإقتصادى.
وقال بيومي أن مشروع كفاءة الطاقة الذى تم تنفيذه في مصر وأدى لخفض إنبعاثات المصانع والمؤسسات التي شاركت فيه أسفر عن خفضا ملموسا في إنبعاثاتها، وفى نفس الوقت حقق وفورات ضخمة لتلك المؤسسات في فاتورة إستهلاكها من الطاقة بما يعنى تحقيق مكسب إقتصادى من خلال تحسين كفاءة إستهلاك الطاقة. وقال بيومي ان فريقه يعمل على نشر فكر جديد خاصة حول الطاقات المتجددة صغيرة الحجم وهو ما بدا واضحا في الاستخدام الواسع للمبات "الليد" وأدي لانخفاض في استهلاك الكهرباء بلغ 25% وكذلك استخدام الخلايا الضوئية التي كانت مرتفعة الاسعارلكنها انخفضت بعد ذلك بنسبة 90% وهو ما جعلها في متناول اليد بالنسبة للكثيرين في مصر خاصة المؤسسات الكبرى.
ويشير بيومي الي ان مصر كانت مطالبه بزيادة انتاجها من الكهرباء بمعدل لا يقل عن 10% سنويا من انتاجها في ذلك الوقت، لكن استخدام الطاقات المتجددة الصغيرة وكذلك الاجهزة الكهربائية الموفرة للطاقة والخلايا الضوئية سمحت لمصر بتقليل الاستهلاك و بناء محطة "بمبان" للطاقة الشمسية. وتعمل مصر ايضا بالتعاون مع البرنامج الانمائي للأمم المتحدة علي عدد من المشروعات التي تحد من دخول البحر الي المناطق المنخفضة في منطقة الدلتا. وقال بيومي ان انخفاض بعض مناطق الدلتا عن مستوى البحر شاهدناه بوضوح في "النوه" التي اجتاحت الإسكندرية عام 2010 و2012 في سواحل مصر ثم جاء إعصار "جمصة" ليتسبب في خسائر كبيرة وهي ظاهرة غير مسبوقة في دول حنوب البحر المتوسط. لذا، استطاعت مصر الحصول على تمويل يقدر ب 30 مليون دولار لتامين المناطق المنخفضة عن سطح البحر حول الطريق الساحلي. هذه المناطق يصل طولها- حسب الدكتور بيومي- الي 60 كيلو مترا، تم انجاز بناء منشآت بطول 30 كيلو مترا حتى الان. هذه المنشآت عبارة عن كثبان رملية طبيعية تقف ضد الامواج العالية للبحر.
وفيما يتعلق بدور القطاع الخاص في هذا الشأن، اشار المهندس مصطفى خيرت، الرئيس التنفيذي لشركة "أنترو" لاسترداد الموارد، الي أهمية مشاركة هذا القطاع في العديد من الامور الخاصة بالبيئة، ومنها اعادة تدوير المخلفات وانتاج الطاقة الجديدة والمتجددة، مؤكدا علي ضرورة ان تقتحم البنوك العاملة في مصر هذا المجال بتقديم القروض الميسرة للمشروعات الصغيرة حتى تصبح ذات جدوى اقتصادية. كما أشار خيرت الي ضرورة التنبه الي التأثير السلبي لغاز الميثان الناتج عن عمليات الاحتراق حول ابار البترول والغاز الطبيعي وكذلك المخلفات العضوية الناتجة عن الزراعه والطعام. واكد خيرت ان الميثان يعد الان الاكثر خطورة ويجب التنبه له خاصة مع وجود حلول كثيرة اتبعتها دول اوروبا للقضاء علي هذه الظاهرة وهو ما سيجعل هذه القارة خالية منه بحلول 2050.
من ناحيتها، نبهت الدكتورة مها الرباط، وزيرة الصحة والسكان الأسبق، إلى الاثار السلبية لتغير المناخ علي صحة الافراد والامن الغذائي في العديد من الدول. وقالت الرباط ان هذه القضية كانت واضحة تماما عندما تعرض العالم لازمة فيروس كورونا والذي أدى الى الاغلاق التام بين الدول لعدة اشهر. كما اكدت ان حدثا طارئا مثل "كورونا" اعلن أيضا عن تغير واضح علي خريطة الامراض غير المعدية وكذلك كيفية تأثير تغيير المناخ على نوعيات الامراض. ودعت الرباط الي ضرورة أن نأخذ في الاعتبار كل إمكانات "التكيف" علي المدى القصير والطويل ووضع سياسات صحية متكاملة في هذا الشأن.
كما أوضح السيد محمد علي فهيم، أستاذ التغيرات المناخية بمركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة، تأثير التغيرات المناخية علي قطاع الزراعة خاصة ما حدث لمحصول القمح عام 2018 وكذلك انخفاض انتاج مصر من الزيتون والمانجو هذا العام بسبب ما اصبح يعرف بالتأثيرات الصامتة للمناخ والذي تمثل هذا العام في ارتفاع درجات الحرارة لعدة أيام قبل موعدها الطبيعي. واكد ان هذه التغيرات قد تكلف بعض الدول امنها الغذائي او يجبرها علي تكلفة عالية لمواجهة هذه التأثيرات.