ندوة الصين في عالم متغير

21 مارس 2023:

نظمت مؤسسة "كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة" بالتعاون مع المجلس المصري للشئون الخارجية، ندوه بعنوان "الصين في عالم متغير".
وفي اول تعاون بين المؤسستين، رحب السيد ممدوح عباس رئيس مجلس أمناء كيميت، بهذا التعاون المثمر، مشيرا الي أهمية هذه الندوة التي تأتي في وقتها تماما مع تصاعد حدة التغيرات الدولية والإقليمية. وقال السيد عباس ان إعادة انتخاب الرئيس الصيني تشي شين بينج- للمرة الثالثة ولمدة خمس سنوات- يؤكد استمرار الصين في مسيرتها القوية ويضيف لها ملمحا جديدا على الساحة الدولية وهو ما تبدى في تغيير عدد من القيادات الصينية الداعمة للرئيس وكذلك تغيرات هيكلية في القدرات العسكرية الصينية.
لكن الحدث الأكبر- حسب رئيس مؤسسة كيميت- بدا واضحا في سياسة الصين الخارجية التي أصبحت أكثر انفتاحا وتأكيدا للشعار الذي حمله رئيس الصين نفسه بان "الصين قد عادت". وقال عباس ان حرص الصين علي لعب دور أكثر تفاعلا مع افريقيا والعالم العربي يعد تغيرا كبيرا لأنه هذه المرة يتخطى حدود الاستثمارات الي بدايات اقوى في السياسة الخارجية، مشيرا في هذا السياق الي الاتفاق السعودي- الإيراني وزيارة بينج لروسيا.
وتساءل السيد عباس عن وضع مصر وسط هذه التغيرات خاصة إذا ما عرفنا ان استثمارات الصين لا تعد كبيرة بالقياس الى إمكانات البلدين وعلاقتهما القوية منذ عقود.
من ناحيته، أكد الوزير محمد العرابي، رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية، علي أهمية توقيت هذه الندوة خاصة مع التحركات الصينية الأخيرة وتوسطها في الحرب الروسية الأوكرانية. لهذا فانه من الطبيعي ان تثير هذه الندوة العديد من التساؤلات حول دور الصين على الساحة الدولية واذا ما كان بمقدورها العمل علي حل عدد اخر من القضايا الرئيسية مثل القضية الفلسطينية او قضية سد النهضة بين مصر واثيوبيا، وذلك حسب قول العرابي.
وقد انقسم الحديث حول دور الصين في جلستين منفصلتين. في الجلسة الأولى، اشار السفير هشام الزميتي عضو الهيئة الاستشارية لكيميت والمجلس المصري للشئون الخارجية- الذي ادار الحوار- على ان المعلومات المتاحة عن الصين معظم مصادرها غربية وليست حيادية وهو ما يصعب مهمة أي باحث في هذا الشأن. فالصعود السلمي للصين – حسب قوله- اعتمد على عدد من المبادئ التي لم تتغير منذ سبعينيات القرن الماضي وهو ما ادي الي قدر كبير من الاستقرار والاستمرارية في عملية التنمية.
اما الدكتور عبد المنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة المصري اليوم، أشار الي المكانة التي أصبحت الصين تحتلها كأحد القطبين في النظام العالمي. وقال ان الصين أصبحت الصين في كل ركن من اركان العالم وهو أحد سمات القوى العظمى. ومن سمات هذه القوى أيضا ما نجده واضحا في علاقة الصين بدول العالم والذي تتميز فيه بتبادل تجاري يميل فيه عادة الميزان التجاري لصالح الصين.
ويؤكد الدكتور سعيد ان اللحظة التي أعلنت فيها الصين عن وجودها كقوة كبري كان في فبراير الماضي وعبر البيان الصيني- الروسي الذي كان بمثابة اعلان عن مراجعة النظام الدولي الحالي، وذلك بعد ان قضت بكين أكثر من أربعين عاما تعمل فيها بجهد وانضباط من اجل تنمية اقتصادها. ويطلق سعيد علي مرحلة التنمية والبناء الداخلي في الصين بعملية الكمون الاستراتيجي والذي لم تسمح فيه الصين لأية ازمة سواء داخلية او خارجية ان تجعلها تحيد عن مسارها. لكن بيان فبراير أعلن دخول الصين الي هذا العالم احادي القطبية لتعلن ان هذا النظام الدولي الأحادي القطبية لم يعد محتملا لان "الانصبة فيه غير عادلة"، حسب قول سعيد.
ويبدو ان الصين تملك الان ما تقدمه في عدد من القضايا الدولية بناء على مفهوم الاعتماد المتبادل. ويرجح الكتور سعيد ان الاتفاق السعودي- الإيراني قام علي هذا المفهوم وهو ما تستخدمه الان بكين في محاولتها وضع حد للحرب الروسية- الأوكرانية.
اما السفير عزت سعد، المدير التنفيذي للمجلس المصري للشئون الخارجية، فقد أشار الي ان بكين لديها مصالح مشتركة مع موسكو كما ان البلدين تتبنيان رؤية مشتركة تجاه الغرب. لكن الصين لا تستطيع ان تتجاهل مصالحها مع الغرب ولا ان تتجاهل إمكانية فرض عقوبات مماثلة لما حدث مع روسيا.
من ناحيته، أشار الدكتور فايز فرحات، رئيس مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الي ان الصين لديها رؤية واضحة لإعادة صياغة ظاهرة العولمة بما يسمح بدور اكبر لبكين وذلك عبر عدد من المحاور منها مبادرة "الحزام والطريق" الذي تتشارك فيه اكثر من 150 دولة حتى الان، ومفهوم الجوار الثري الذي ساعدت فيه بكين في استقرار وامن عدد كبير من دول الجوار ثم إعادة بناء مناطق النفوذ من جنوب شرق اسيا الي جنوب الباسيفيك وأوراسيا وموانئ أوروبا وهو ما أدى أيضا الي إقامة مؤسسات مالية صينية- اسيوية تتوازى مع مثيلاتها الغربية مثل صندوق النقد الدولي.
وقال الدكتور مصطفى الفقي، عضو مجلس أمناء كيميت والمجلس المصري للشؤن الخارجية، في الجلسة الثانية التي ادارها، ان الصين ارتبطت في العقل العربي بالكثير من الغموض وذلك لبعدها الجغرافي عن منطقتنا، كما ان تاريخها الاجتماعي به الكثير من الاحداث المعقده. وأشار الفقي الي ان الصين لديها شهية قوية للتحرك نحو العالم وهو ما جعل الزحف الصيني نحو افريقيا مبكرا جدا حيث تواجدت الاستثمارات الصينية هناك منذ سبعينيات القرن الماضي. لكن الصين ظلت علي علاقة خاصة بمصر التي كانت من بين أوائل الدول التي اعترفت بقيام الصين الشعبية في خمسينيات القرن العشرين. كما أشار الفقي الي ان الصين نجحت في كل دولة دخلتها في افريقيا وتركت اثرا بمساهماتها وانها كانت دائما تساند حركات التحرر الوطني في القارة السمراء.
وتحدثت الدكتورة ابتسام علي، أستاذ مساعد للعلوم السياسية بجامعة القاهرة، عن تجربتها في العمل والحياة في الصين. وتشير الدكتورة ابتسام الي ان المجتمع الصيني له منطق مختلف على مستوى التعامل الداخلي، فهو يرحب بالأجانب ويشجع علي تعلمهم للغة الصينية لكنه لا يفرض ذلك عليهم. كما ان الطلبة هناك لديهم قدر كبير من الالتزام والانضباط. ويتميز الصينيون باحترامهم الصارم للقانون وهو مجتمع مبهر في طاقته الإنتاجية وهذا ما جعل معدلات النمو الهائلة في الصين مصدرا لمخاوف الغرب خاصة أمريكا.
وتشير الدكتورة ابتسام الي ان الصينيون يكرهون الحروب لأنها تستنزف مواردهم وانهم يهتمون كثيرا بصورتهم في العالم الخارجي خاصة عندما يتعلق الامر بالأقلية المسلمة في بلادهم. ورغم كل هذه الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية، فالمجتمع الصيني مازال لديه سمات المجتمع الشرقي السلطوي الذكوري.
ويشير السفير مجدي عامر، سفير مصر السابق في الصين، الي عشر زيارات قام بها الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك حيث تم توقيع اتفاقية المشاركة الاستراتيجية بين البلدين، لكن الدولة المصرية لم تكن مستعدة للاستفادة من المبادرات الصينية وهو ما استمر حتى عام 2013 حين أعلنت الصين عن مبادرة الحزام والطريق لإحياء طريق الحرير سواء بريا او بحريا. وفي المرحلة الأولى لهذه المبادرة كانت مصر واحدة من ثلاث دول ومعها باكستان وكازاخستان.
واكد سفيرنا السابق في الصين ان الاستثمارات الصينية في مصر كبيرة لكن يتم حسابها أحيانا بصورة خاطئة، حيث بلغت هذه الاستثمارات الي 7 مليارات دولار منها 3 مليارات هي جزء من الاحتياطي النقدي لمصر موجوده في البنك المركزي، بالإضافة الي مليار دولار أخرى كانت قرضا لهذا البنك، اما المليار الخامس كان قرضا لبنكي مصر والأهلي لدعم المشروعات المتوسطة والصغيرة وحوالي مليار ونصف المليار استثمارات متناثرة.
لكن الأهم هو توجه الصين للاستثمار في الهيدروجين الأخضر في مصر وكذلك في مجال الموانئ والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وذلك رغم ان المنطقة الصناعية الصينية مازالت تواجه العديد من المشاكل والصعوبات التي تحتاج لجهد كبير للتعامل معها.
والمؤكد ان صعود الصين يأتي في فترة شديدة التعقيد دوليا وهو ما أشار له السفير علي حفني، سفير مصر الأسبق في بكين، الذي أوضح ان الصين كانت ومازالت تبحث عن دور لها علي الساحة الدولية وانها لم تنقطع ابدا عن تقديم المبادرات سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية او سوريا. لذلك فان مبادرتها بحل الازمة بين السعودية وإيران وكذلك الحرب الروسية- الأوكرانية تأتيان في هذا السياق. لكن هذا الدور يعتمد بشكل أساسي على الوضع الاقتصادي للصين. وفي هذا السياق فان الصين استطاعت جذب استثمارات بلغت 70 مليار دولار حقق من خلالها المستثمرون أرباحا هائلة وكان معظمهم من أمريكا وأوروبا. لكن وتيرة النمو المذهلة في الصين أصبحت تثير الخوف لدى الكثيرين- حسب ما قال السفير حفني حيث تسعى الصين الان وعبر مشاريع طموحه ان يصل دخل الفرد فيها الي مثيله في الدول الغربية وكذلك رفع مستوى معيشة الفرد هناك. ويؤكد السفير حفني علي ضرورة الفهم الصحيح للصين وان نكون أكثر اقبالا علي التعاون معها علي المستويين السياسي والاقتصادي. فالصين حسب قوله لديها مشاريع ضخمه في افريقيا واخري على سواحل البحر الأحمر ومنتديات للتعاون العربي- الصيني يجب ان تكون مصر اكثر استعدادا للاستفادة منها.
وعلق السيد عمرو موسى، على موضوع الندوة بقوله انها مليئة بالمعلومات الهامه، مشيرا الي أهمية تطوير استراتيجية للتعاون مع الصين وانه يجب ان نتحرك في هذا المجال عن دراسة ووعي حتى لا يصبح الاستثمار في مصر مسالة صعبه. كما أكد على ضرورة ان نفهم الي اين تتجه الصين حتى نصبح قادرين علي التوجه نحو نقطة الالتقاء، ذلك اننا لم نعط الصين حقها من الدراسة العميقة.
وأشارت الدكتورة اماني الطويل، مسؤولة الملف الافريقي بمركز دراسات الاهرام، الي ضرورة استفادة مصر من المبادرات الصينية في افريقيا خاصة ان القاهرة تمتلك خبرات واسعه في إقامة البنية التحتية في العديد من المشروعات التنموية، مشيرة الي ان فرص تمويل عدد من المشروعات المصرية مثل الطريق البري بين مصر والسودان وتشاد قد تكون جزءا من المبادرات الصينية وفرصه متاحه لوضع هذه المشاريع قيد التنفيذ.
كان المشاركون قد وقفوا دقيقة حداد علي روح علامة الدراسات الافريقية الأستاذ حلمي شعراوي. وقرر السيد ممدوح عباس تخصيص جائزة سنوية باسمة في الدراسات الافريقية وذلك بعد موافقة مجلس الأمناء.