«آفاق وتحديات الاستثمار الخاص فى مصر»

القاهرة، مصر | الثلاثاء 08 أكتوبر 2024:

نظمت مؤسسة كيميت بطرس غالى للسلام والمعرفة ندوة بعنوان «آفاق وتحديات الاستثمار الخاص فى مصر»، بالنادى الدبلوماسى، مساء الثلاثاء الموافق 8 أكتوبر 2024.
شهدت الندوة مشاركة وتفاعلًا كبيرًا من الحضور، من أبرزهم عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، ومحمد فائق، وزير الإعلام الأسبق، والدكتور على المصيلحى، وزير التموين السابق، والمهندس خالد عبدالعزيز، وزير الشباب والرياضة الأسبق، والوزيرة سهي الجندي، وزيرة الهجرة والمصريين في الخارج سابقاً والدكتور على الدين هلال، والدكتور مصطفى الفقى، إذ حرص عدد كبير من أعضاء مجلس أمناء المؤسسة، والوزراء والمسؤولين على التعليق والاشتباك حول المحاور المطروحة، إلا أن الجميع اتفقوا على أن مناخ الاستثمار فى مصر بحاجة إلى خلق بيئة سياسية وتشريعية شفافة وعادلة لجذب الاستثمار فى البلاد.
وافتتح ممدوح عباس، رئيس مجلس أمناء مؤسسة كيميت بطرس غالى للسلام والمعرفة، الندوة قائلًا: «لقد حرصنا على أن نبدأ الموسم الثقافى هذا العام بموضوع يدخل فى صميم قضايا التنمية الاقتصادية فى مصر، الأمر الذى يمس كل الطبقات الاجتماعية لأنه قاطرة التقدم التى تحتاجها البلاد للتغلب على التحديات التى تواجهها».
وأشاد «عباس» بجهود «بهاء الدين» قائلًا: «نحن سعداء أن يحاضرنا اليوم الدكتور زياد بهاء الدين لما له من خبرة طويلة فى مجال تشجيع الاستثمار من خلال رئاسته الهيئة العامة للاستثمار لسنوات ثم ما تولاه بعد ذلك من مناصب مهمة ذات صلة بقضايا التنمية الاقتصادية، الأمر الذى يجعله خبيرًا بمعوقات الاستثمار ومشكلاته فى مصر».
وأكد منير فخرى عبدالنور، وزير التجارة والصناعة والسياحة الأسبق، الذى أدار الندوة، أن مشكلة الاقتصاد فى مصر أن هناك أخطاء فى ترتيب الأولويات والإنفاق دون حساب، كما أن ديوننا زادت وتم التركيز فى استثمارات بمشروعات طويلة الأجل دون النظر إلى جدواها، كما أننا ركزنا على سعر الصرف دون العمل على تخفيض نسبته، إضافة إلى أننا نعانى من اختلالات عديدة فى تعاملاتنا الدولية، وهو ما ترصده الأرقام والمؤشرات، مشددًا على أن الغالبية العظمى تطلب الخروج من الأزمة، وذلك لن يحدث إلا بجذب المستثمرين الأجانب عبر تهيئة المناخ السياسى والتشريعى الشفاف والعادل لاستعادة ثقة المستثمر فى مصر.
واتفق «عبدالنور» مع ما طرحه «بهاء الدين» فيما يتعلق بدعوته إلى إلغاء قانون الاستثمار قائلًا: «أعتقد أن رأيه صائب جدًا، وعلينا ألا نجعل من الاستثمار قانونًا لتحصينه بشكل أو بآخر والقاعدة أن نسمح بالاستثمار».
وأكد «بهاء الدين» أهمية تنوع الاستثمار وليس التركيز على حجمه فقط، قائلًا: «زيادة الاستثمار شىء مهم، ولكن الأهم هو نوعية هذا الاستثمار»، وأضاف فى محاولة لتوضيح وجهة نظره ورؤيته ضاربًا مثلًا شعبويًا يبسط الفكرة بصاحب مطعم لا يجد إقبالًا على مطعمه وبالتالى ليس أمامه سوى خيارين: الأول أن يحسن من إنتاج وجودة خدمته ويخصص ميزانية للدعاية والإعلان ليرتفع بمستوى تلك الخدمة، والخيار الثانى أن يوقف رجلًا على باب المطعم ويصيح بالمارة مناديًا: (الأكل اليوم بربع الثمن)».
وتابع أن هذا أخطر ما تواجهه البلدان من خلال العودة إلى الإعفاءات الضريبية أو التركيز على المشروعات العقارية أو النزول بمشروعات الرقابة على الإنتاج وحماية المستهلك، محذرًا من خطورة الاهتمام بارتفاع معدل الاستثمار دون النظر إلى ما هو حجم هذا الاستثمار والأموال الداخلة إلى مصر وجدواها وعوائدها التنموية على البلاد.
وأكد أن الاستثمار يشكل أهمية وضرورة قصوى اليوم أكثر من السنوات الماضية، لأنه يرتبط مباشرة وتزداد التعقيدات معه بتشابكه وارتباطه بالعديد من الموضوعات، ومنها البطالة وسوق العمل والتضخم وهجرة العقول وعجز الموازنة وغيرها من القضايا والموضوعات، مشددًا على أن جميع ما سبق ليس له حل إلا بزيادة معدلات الاستثمار مصريًا وعربيًا وأجنبيًا لأنه من خلاله تظهر قوة وقدرة الدولة على الإنفاق، قائلًا: «المطلوب زيادة معدلات ونوعية الاستثمار فى مصر».
وفى محاولة لتوضيح رؤيته طرح «بهاء الدين» عددًا من التساؤلات كان أولها لماذا نعانى فى مصر من عدم تهيئة المناخ المناسب للاستثمار رغم حديث الدولة المتواصل منذ أكثر من 10 سنوات؟ وما هى العوائق وكيف يمكن البدء لمواجهة هذه التحديات؟
وأوضح «بهاء الدين» أن الاستثمار الخاص ليس المقصود به ما تقوم به الدولة من نشاط استثمارى من مشروعات قومية، وأيضًا ليس المقصود منها الاستثمار فى الأوراق المالية، وهو محل ترحيب قطعًا ولكنه يهدف إلى التوسع فى شركات ومشروعات قائمة بالفعل، ولكن يتم التوسع بها عبر نقل الملكية من طرف إلى آخر لكنها لا تضيف إلى الدولة طاقة إنتاجية، وهى تفرقة لابد منها وضرورية.
وشدد على أن نجاح الاستثمار لا يكون بحجم الأموال المستثمرة وإنما بما يعود عليه من نفع فى توطين التكنولوجيا وإضافة خبرات ومؤشرات اقتصادية أخرى تضيفه إلى اقتصاد الدولة وبالتالى يعود النفع على المواطنين.
وتساءل «بهاء الدين»: «لماذا نواجه عدم تهيئة مناخ جيد للاستثمار منذ 50 عامًا؟ معتبرًا أن القصة بدأت منذ نهاية الستينيات والسبعينيات فى أعقاب نكسة 1967 وحرب أكتوبر 1973، موضحًا أن أول قانون للاستثمار كان القانون رقم 61 الصادر فى عام 1971 والذى تبناه الدكتور إبراهيم شحاتة، وكان من أوائل من تبنوا فكرة هذا المشروع من خلال تشريعات وطنية تنظم الاستثمار».
وتابع «بهاء الدين»: «بعد حرب أكتوبر صدر القانون رقم 74 الذى أطلق عليه إعلاميًا (قانون الانفتاح)»، لافتًا إلى أن كلًا من تلك المشروعات له فلسفته وهندسته الخاصة، منوهًا إلى أن القانون 61 يحدد مجموعة من المجالات والأنشطة المحددة والتى يقدم لها مجموعة من الحوافز والإجراءات لتنشيطها.
وأشار «بهاء الدين» إلى أنه منذ صدور القانون رقم 61 صدر نحو 12 قانونًا للاستثمار، قائلًا: «على مدار 50 سنة نعيش بنفس الفلسفة حول مشروعات وأنشطة محددة يقدم لها مزايا، وهذا النموذج لم يعد صالحًا منذ 30 عامًا مضت لأنه يمكن أن يكون قانونًا جذابًا للتجربة الاشتراكية»، مضيفًا أن تحديد مجالات معينة للاستثمار غير منطقى، والأخطر أن من آثاره السلبية أن حصيلة مصر الضريبية تذهب للخارج فنحن نتبرع بضرائبنا لدول خارجية.
وأشار إلى أنه فيما يتعلق بالمناطق الحرة فهى محل جدل، وعلينا أن ندرك أن العالم تغير اليوم، وأصبح التنافس فى منافسة تكلفة الإنتاج وتوفير الأراضى ومصادر الطاقة المستمرة، والتدريب وقوة العمل وسرعة وكفاءة فض المنازعات والبيئة التشريعية الضامنة للمستثمر، وإذا كان علينا اللحاق بدول العالم فعلينا ترك تلك المنظومة القديمة.
وتساءل «بهاء الدين»: «لماذا بيئة الاستثمار تشكل تحديًا كبيرًا لمصر رغم اقتصادها شديد التنوع، ومعروف أن بها قوة عمل جيدة معروف عنها أنه سريع التعلم والتأقلم، فلماذا المعضلة مستمرة؟»، قائلًا: «إذا أضفنا إلى ما ذكرناه سابقًا من مشكلات فهناك تحديات إضافية منذ 10 سنوات، أولها اتساع دور الدولة فى الاقتصاد عبر تدخل جهات عديدة، وبالتالى مزاحمة القطاع الخاص، وزيادة الإنفاق العام وتوجيه الموارد إلى المشروعات، وارتفاع تكلفة الأعمال، وهنا نشير إلى أن ضريبة الدخل 22.5٪ وهى الأقل عالميًا، إضافة إلى تعدد الضرائب».
وكشف «بهاء الدين» أن الأخطر من وجهة نظره هو تعدد الرسوم على كل شىء من أكثر من جهة تحصلها، وهى عوامل تحد من التوسع والتشغيل، موضحًا الفرق بين إضافة وفرض رسم على الطريق لصيانته وبين فرض رسوم على مصنع لأنه يريد بناء طابق جديد للتوسعة، قائلًا: «نزيف الرسوم أسوأ ما يعانى منه الناس حاليًا»، مضيفًا أنه لا يمكن أن نحشد جميعًا للترويج ثم يتحول الجميع إلى رقباء، فالخريطة المؤسسية أصبحت متعبة ومرهقة جدًا ولا يجوز العمل بها.
وتابع: «أصول الأزمة التى تواجهنا مازالت موجودة، وهى بحاجة إلى علاج فورى رغم أننا تجاوزنا الوضع بعدم السقوط إلى الهاوية»، معتبرًا أن لدينا فرصة لتجاوزها، وحذر من أن خطاب الحكومة الجديد يجعله يخشى من أننا ندور فى نفس فلك الـ50 سنة الماضية.
وواصل «بهاء الدين»: «أتمنى عدم الاحتفال بنهاية الأزمة لأن من دفع الثمن الناس والمواطنون، فهم من تحملوا زيادة ارتفاع الأسعار أكثر من 30٪ على مدار السنوات الثلاث الماضية، وهم من تحملوا أزمات كثيرة متمثلة فى نقص الأدوية والمواد الغذائية وارتفاع الأسعار، وبالتالى علينا أن نراعى مشاعر الناس».
وطالب «بهاء الدين» بإلغاء قانون الاستثمار فى مصر، مؤكدًا أنه لم يعد صالحًا ومن غير المناسب العمل به فى مصر، قائلًا: «أنا متمسك برأيى بإلغاء قانون الاستثمار لأنه فعليًا لم يعد صالحًا، والعديد من الدول الآن لم تعد تعمل بمثل تلك القوانين، وإنما على العكس نجد بعض الدول تصدر تشريعات وقوانين استثمار لتقييد الاستثمار فى أنشطة محددة، وليس التوسع فيها وتقديم امتيازات»، مستشهدًا بواقعة إصدار الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا تشريعًا للحد من تغول الصين فى الاستحواذ على الموانئ خوفًا من نشاطها الملاحظ فى هذا الشأن فى العديد من البلدان.
وتابع «بهاء الدين»: «القضية لن تُحل بقانون، هناك فلسفة أساسية علينا أن نعدل عنها بالكامل عند الحديث عن الاستثمار فى مصر وتنميته، ونعيد فهم الموضوع منذ بدايته، وأرى أن اليوم الذى تلغى فيه مصر العمل بقانون الاستثمار سيكون يومًا مهمًا».
وشدد على أن القطاع الخاص ليس كما يختزله البعض فى مجموعة محددة من رجال الأعمال وإنما يشمل كل من يأخذ على عاتقه المخاطرة برأس المال، حتى الفلاح يمكننا أن نطلق عليه من أرباب القطاع الخاص، مشددًا على أنه يتوجب علينا التعامل مع الفكرة على اتساعها.
وقال «بهاء الدين» ردًا على مطالب البعض بخروج الدولة من المشاركة فى الاقتصاد، وفى ضوء ما أعلن من نتائج حول صندوق مصر السيادى: «ليس الغرض خروج الدولة من المشاركة فى الاقتصاد، وأنا لست من أنصار خروج الدولة، وإنما المطلوب وجود ضوابط ومحددات وقواعد لما يُعرف بقواعد الحياد التنافسى، وهو ما كان يجب أن تشمله الوثيقة وليس تخارجًا بتحديد نسب معينة كما تضمنتها الوثيقة»، مشددًا على أن مصر ليست بحاجة إلى تعديل وثيقة وُلدت ميتة، ونحن بحاجة إلى وثيقة تحدد العلاقة بين المستثمر والدولة.
ولفت إلى أن وثيقة ملكية الدولة لم تحقق المستهدفات المرجوة منها والمعلنة مسبقًا بشأن حجم التخارج، وأن نحو 85٪ من حجم الحصيلة جاء من صفقة رأس الحكمة، مشيدًا بالصفقة وأهميتها وتوقيتها.
وحذر «بهاء الدين» من الإفراط فى التفاؤل قائلًا: «أخطر ما يمكن أن يحدث ثورة حماسية لا يقابلها أى إصلاح عميق»، مشددًا على أن مستقبل مصر يرتبط بالصناعة، وأن الأولوية الكبرى هى تدريب الأيدى العاملة.
وأكد محمد السويدى، رئيس اتحاد الصناعات، أن الصناعة والسياحة وجهان لعملة واحدة، ولكن الصناعة تعد عصب وقاطرة التنمية بالدولة، قائلًا: «السياسة القائمة فى ضوء الاستثمار من خلال الوعد بأشياء لا تستطيع فعلها غير مناسبة، والمستثمر يريد معرفة الحقيقة حتى الظروف الصعبة لابد أن يدركها قبل المخاطرة باستثماراته، وعلى الدولة ألا تعد بما لا تستطيع الوفاء به»، مضيفًا أن العملية ليست إصدار قوانين فقط وإنما آلية تنفيذ تلك القوانين.
وقال «السويدى» إن حجم الصناعة فى مصر يتوفر له مناخ جيد لأن بها أكثر من 110 ملايين مصرى، مشددًا على أن الاستثمار فى العنصر البشرى يشكل ضرورة، معتبرًا أن الأولوية الآن فى تصدير 5 أو 6 سلع، وهى أفضل لى أن أبحث عن تقليل الوارد.
واختلف أحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، مع ما طرحه «بهاء الدين»، مؤكدًا أنه كان يجب أن يتطرق إلى الفترة السابقة لنكسة 67، معتبرًا أن المعضلة بدأت قبل نحو 72 عامًا وليس 50 عامًا.
وقال «الوكيل»: «الاستثمار هو فائض المدخرات للدول والأفراد، وعلينا أن نكون دولة جاذبة»، متسائلًا: «ماذا فعلنا لذلك؟»، مجيبًا فى الوقت نفسه: «لا شىء»، مضيفًا أن شركة رينو للسيارات أصبح المكون المغربى فيها الآن نحو 59٪، وعندما جاءت شركة بيجو إلى مصر ذهبت دون رجعة بسبب المناخ غير المناسب، وأيضًا نفس الأمر بتواجد شركة تويوتا فى تركيا، إذ وصل المكون التركى بها لنحو 72٪، معتبرًا أن المشكلة فى أن مناخ القطاع الخاص فى مصر يعانى من تأثيرات سنوات ممتدة منذ 72 عامًا وليس 50 سنة ماضية.
وأكد الدكتور هشام زعزوع، وزير السياحة الأسبق، على أهمية التركيز على القطاع السياحى عند الحديث عن الاقتصاد المصرى، منتقدًا عدم وجود استراتيجية محددة فيما يتعلق بهذا القطاع، بينما أُعلن فى وقت سابق عن مستهدفات بوصول عدد السائحين إلى 28 مليون سائح، والوزير الحالى قال إن المستهدف نحو 31 مليونًا خلال السنوات المقبلة.
واعترض «زعزوع» على دمج وزارة السياحة مع الآثار، مؤكدًا أن الأصل أن يتم دمجها مع وزارة الطيران مستشهدًا بتجربة تركيا واليونان فى هذا الشأن.