ندوة تأثيرات الحرب في أوكرانيا علي توازن القوي العالمية والإقليمية
نظمت مؤسسة "كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة"، ندوة حول تأثيرات الحرب في أوكرانيا علي توازن القوى العالمية والإقليمية.
واكد السيد ممدوح عباس، رئيس مجلس أمناء مؤسسة "كيميت" علي ضرورة فهم التداعيات السياسية علي القوى العالمية والاقليميه حتى يمكننا تفهم ما يحدث في العالم. وأشار عباس الي ان هذه الحرب التي ستكمل عامها الأول خلال عدة أسابيع، اثارت العديد من الازمات الكبرى علي المستويين الاقتصادي والسياسي بين الدول الكبرى منها العلاقات الامريكية- الصينية، علاقات الاتحاد الأوروبي المنقسم علي نفسه، ثم تأثير ذلك علي القوى الإقليمية في المنطقة العربية وتأثير ذلك علي القضية الفلسطينية.
اما الدكتور عبد المنعم سعيد، عضو مجلس الشيوخ ورئيس مجلس إدارة صحيفة المصري اليوم، فقد أشار الي ان الحرب الأوكرانية غيرت نظريتين في العلاقات الدولية وهما ان توازن القوى عبر الردع النووي يمنع وقوع الحروب، اما النظرية الثانية فهي ان أي حرب تؤدي حتما الي تضرر جميع الأطراف ومع ذلك قامت هذه الحرب. وأضاف ان الحرب في بدايتها كانت تبدو- حسب توازن القوي – في صالح روسيا، لكن مع بداية الهجوم المضاد من قبل أوكرانيا، بدأ الحديث عن دور القوى الغربية المخابراتية في هذه الازمة وتراجع الانتصارات الروسية. لكن المؤكد ان هناك حالة من الاستنزاف المتبادل بين الأطراف المتورطة في هذه الحرب مع الاخذ في الاعتبار بروز الصين كقوة عظمى في هذا المشهد دون ان تطلق رصاصة واحدة.
وركزت الدكتورة نيفين مسعد، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، علي ان هذه الحرب عمقت التنافس الحاد بين تركيا وايران في علاقتهما بالحرب الأوكرانية. فقد عملت تركيا - حسب الدكتورة مسعد- علي القيام بدور دبلوماسي مكثف لحل الازمة ثم قامت كذلك بدور هام في الافراج علي عن صادرات القمح خاصة للدول التي تعتمد علي قمح روسيا وأوكرانيا. تركيا قامت أيضا بالاقتراب من روسيا من اجل التوصل لاتفاق مع سوريا. اما ايران فقد كان موقفها اكثر ميلا لروسيا خاصة مع صفقة المسيرات التي قدمتها لموسكو. وهكذا، كما اشارت الدكتوره مسعد، فقد عززت الدولتان من دورهما علي الساحة الدولية والإقليمية خاصة مع ادانة الغزو لكن رفض الدولتان للعقوبات الغربية واستفادتا من إمكانية تعديل توازنات القوى.
وأشار الدكتور مصطفى الفقي، الكاتب والمفكر السياسي، الي ان الحرب الروسية- الأوكرانية ليست منشأه للمواقف لكنها كاشفة لهذه المواقف. واكد علي حقيقة عدم وجود خطوط فاصلة بين القوى الدولية والإقليمية في هذه الازمة وهو ما شبهه بأجواء ما قبل الحرب العالمية الاولي حيث كان العالم يعاني من الضبابية والترقب وهو ما جعل معظم الدول غير قادرة علي اتخاذ مواقف حدية في الصراع. ويشير الدكتور الفقي الي أن هذه الحرب اثرت كثيرا على المنطقة العربية، حيث تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، وادى الي ارتباك في العلاقات الروسية- الإسرائيلية في حين ان ازمة الطاقة الناجمة عن هذه الحرب أدت الي تغيرات جذرية في النظام المالي العالمي المرتبط بالطاقة. في الوقت نفسه، استغلت إسرائيل هذه الحرب لضرب الفلسطينيين بقسوة والاستفادة من موقفها المتوافق مع واشنطن في هذا الصراع لصالح كييف.
اما الدكتور احمد يوسف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فقد ركز حديثة حول وضع القضية الفلسطينية وتأثرها بالحرب الأوكرانية بقوله ان الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي كان متراجعا علي الاجندة الدولية قبل اندلاع هذه الحرب خاصة مع تأزم محاولات حل الخلافات بين الفصائل الفلسطينية. وعلي الرغم من زياره الرئيس الامريكي، جو بايدن والزيارة الحالية لوزير خارجيته، غير ان القضية الفلسطينية مازالت تراوح مكانها في هذا الصراع مضيفة المزيد من التهميش للقضية الفلسطينية.
لكن الدكتور يوسف أشار الي ان التعاطف الإسرائيلي مع أوكرانيا ادي الي تراجع دورها الإقليمي والذي قد تحاول استعادته عبر تحالفاتها ضد ايران.
وقد اثار السفير محمد ادريس، مساعد وزير الخارجية الأسبق ومندوب الدائم السابق لمصر بالأمم المتحده، تاثر الدول الافريقية بهذه الحرب رغم انهم لا ناقة لهم فيها ولا جمل. وقد حاولت دول القارة-حسب قوله- ان تقف علي الحياد في هذه الازمة لكنها لن تستطيع ذلك طويلا بسبب استمرار هذه الحرب. وأشار السفير ادريس الي ان هذه الحرب فاقمت من الازمات التي تعاني منها دول افريقيا خاصة فيما يتعلق بالاثار التضخمية لاسعار الأغذية والتي تدفع بنحو 50 مليون افريقي الي فقر مدقع.
واكد السفير ادريس علي ان الدول الافريقية دخلت بالفعل الي دوامة تباطؤ الإنتاج بسبب زيادة التكلفه الإنتاجية ودائرة ازمة الديون وفوائد الاقتراض من المؤسسات الدولية في نفس الوقت الذي تعاني فيه دولها من تراجع المنح الدولية. وأشار السفير الي ان عدم قدرة هذه الدول علي الوفاء بسداد ديونها اصبح عامل ضغط شديد علي قرارها السياسي.
من ناحيته، اكد الدكتور علي الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ووزير الرياضة والشباب السابق، الي وجود عدد من النقاط التي قد تكون إيجابية في هذه الحرب وهو ما يثير عددا كبيرا من الأسئلة التي يجب ان نبحث لها عن إجابات. علي سبيل المثال اذا كانت روسيا لن تخرج من هذه الحرب منتصرة انتصارا حاسما وكذلك اوكرانيا ومن خلفها أمريكا وأوروبا، كيف سيكون وضع ميزان القوى العالمي في هذه الحاله؟ وكيف ستبدو الأوضاع في دول مثل المانيا واليابان اللتان اسعادتا حقهما في التسلح؟ اما علي المستوى الإقليمي فلابد من قدر مما ساماه بالمغامرة العلمية- حسب قوله- لفهم الترتيبات المستقبليه في المنطقة و فرص مصر في هذه السياقات.
اما السيد عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق وأمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، فقد اكد علي ان النظام العالمي الحالي، خاصة عبر الوكالات المتخصصة مازال ناجحا وان الجزء الخاص بفشل هذا النظام الدولي لا يتعدى الجزء الخاص بالحفاظ علي السلم والامن الدوليين او بمعنى آخر هو الجزء الخاص بمجلس الامن وهو ما سيحتاج الي الكثير من التعديل والنقاش في المستقبل. اما فيما يتعلق بالامن القومي العربي، فاشار موسى الي ان هذا المفهوم اصبح اكثر تشعبا بناء الي التكتلات الاقليميه فما يهم دول الخليج قد لا يهم دول الهلال الخصيب او دول شمال افريقيا ، لذلك لابد من مناقشة هذا الامر بشكل اكثر تفصيلا في لقاءات أخرى.
لكن السيد موسى أشار أيضا الي أهمية عودة حركة عدم الانحياز لكن في ثوب جديد وقد يكون زعيمها هذه المرة سيلفا دي لولا، رئيس البرازيل.
اما السفير رؤوف سعد، فقد أشار الي ان هذه الحرب هي بالأساس جزء لا يتجزأ من صراع أمريكا ضد الصين او محاولة اضعاف روسيا كحليف استراتيجي لبكين. اما السفير ماجد عبد الفتاح، المندوب الدائم سابقا لمصر في الأمم المتحدة، فقد أشار الي ان ما يحدث حاليا أعاد الي الاذهان الحاجه الملحه الي اجندة السلام التي تقدم بها منذ عدة عقود الدكتور بطرس غالي، عندما كان يشغل منصب السكرتير العام للأمم المتحدة. وقال السفير عبد الفتاح ان المنظمة الدولية تسعى الان لاستعادة هذه الاجندة كما تهتم بالاستماع لكافة الأطراف في سياق الاعداد لقمة المستقبل في عام 2024 وذلك من اجل اصلاح النظام الدولي.